جرائم وانتهاكات مروعة.. الصحفيون المحررون يروون معاناتهم في سجون جماعة الحوثي

جرائم وانتهاكات مروعة.. الصحفيون المحررون يروون معاناتهم في سجون جماعة الحوثي

لا تكاد هواتف الصحفيين المحررين (أكرم الوليدي، الحارث حميد، وتوفيق المنصوري، وعبدالخالق عمران) تتوقف عن الرنين من أقارب وأصدقاء مضت سنوات طويلة لم يسمعوا فيها أصواتهم.

يتبادل الحارث التهاني مع أحد الأصدقاء الذين يهنئونه بحرارة، ويعده باللقاء قريباً، الهاتف الذي بين يدي الحارث لم يستطع التعامل معه بسهولة إلا بمساعدة الأصدقاء، فهو وزملاؤه الأربعة يعتبرون الأجهزة الحديثة التي أصبحت بين أيديهم طفرة صدمتهم كما صدمتهم أمور أخرى كثيرة بعد قضاءهم ثمان سنوات في سجون جماعة الحوثي. 

 

غزى الشيب شعر أكرم وهو في بدايات الثلاثينيات، يتحدث لموقع منظمة صدى فيقول: "هناك أمور كثيرة فاجأتني وأريد أن ألحق ما فاتني من هذه الحياة". بعد أيام قليلة من الإفراج عنه من معتقلات جماعة الحوثي قام أكرم بعقد قرانه بالشابة التي انتظرته طيلة فترة اعتقاله. 

يستثقل أكرم الظهور أمام وسائل الإعلام والحديث عن المأساة التي تجرعها طيلة السنوات الماضية لكنه يقول: "بعد أن أستعيد عافيتي سأقول وأكتب كل شيء". 

 

في الثالث من شهر مايو آيار الجاري الذي يصادف اليوم العالمي لحرية الصحافة أقامت المنظمة الوطنية للإعلاميين اليمنيين صدى جلسة استماع للصحفيين الأربعة الذين أفرج عنهم في صفقة تبادل بين الحكومة وجماعة الحوثي برعاية الأمم المتحدة والصليب الأحمر. 

 

في قاعة كبيرة ووسط حضور واسع من مسؤولين ونشطاء حقوقيين وإعلامين جلس أكرم وتوفيق وعبدالخالق والحارث وإلى جوارهم زميلهم الذي أفرج عنه في صفقة تبادل سابقة هشام طرموم، الذي اختار أن يقدم هذه الفعالية وأن يحتفي بزملاءه المحررين الجدد. 

 

لحظات استثنائية 

بدأت الجلسة بكلمة لرئيس منظمة صدى يوسف حازب الذي أبدى تشرف المنظمة بالصحفيين المحررين يقول حازب: "إنكم شرف وفخر كبير لنا نحن الصحفيين اليمنيين وكذلك للأسرة الصحفية العالمية، وفي هذا اليوم أهنئ جميع الصحفيين حول العالم وصحفيينا الأربعة باليوم العالمي لحرية الصحافة، وجميع الأهالي والأسر لأننا نعيش هذه اللحظات الاستثنائية مع أبطالنا الأربعة أحراراً بيننا". 

ويضيف حازب: "عملنا في منظمة صدى في مجال الحماية سواء للصحفيين والصحفيات اليمنيات، كما بذلنا جهداً عظيماً لكي نرى هؤلاء الصحفيين أحراراً وقبلهم الصحفيين الستة الذين تم اختطافهم في فترة واحدة سواء زميلنا هشام طرموم الذي يقدم الفعالية أو من يشاركونا عبر الزووم وغيرهم".

 

جهود متواصلة 

يقول رئيس منظمة صدى: "ها هم اليوم بيننا ليستعيدوا دورهم في ممارسة الصحافة الحرة، وسيقولون للعالم ماذا تعني الحرية وكيف تسهم في بناء مجتمعات حرة وديموقراطية"، مؤكداً على أن المنظمة ستستمر في جهودها من أجل إخراج بقية الزملاء الذين مازالوا مختطفين في سجون جماعة الحوثي أو سجون الحكومة الشرعية "وكذلك الزميل المخفي قسرياً في سجون القاعدة، مطالباً بزيادة الضغوطات على جميع الأطراف من أجل إطلاق سراح هؤلاء الصحفيين". 

واختتم كلمته بالقول: "نعول على جهود الأسرة الصحفية من أجل حماية الحريات فصوتنا العالي دائماً ما يكون له انعكاسات إيجابية، وهذا ما سمعناه من الزملاء المحررين الذين أفرج عنهم بعد 8 سنوات من الاعتقال القسري". 

 

 

 

شهادات الصحفيين

بدأت شهادات الصحفيين المفرج عنهم مع عبدالخالق عمران، بوصف حالة التعذيب التي تعرض لها وزملاؤه فيقول: "لم تضعنا جماعة الحوثي في سجون، بل في معسكرات كدروع بشرية، تعرضنا للتعذيب منذ أول يوم للاختطاف وحتى صعودنا لطائرة الصليب الأحمر، ضُربنا بالعصي وبالحديد، وصُعقنا بالكهرباء، كان يجري تعذيبنا على مدار اللحظة، ووضعنا في زنازن انفرادية وأخرى جماعية، عانينا من أمراض عدة من السكر والقلب وانزلاقات في العمود الفقري ومن التهابات وأمراض المعدة والقولون". 

 

يتذكر عمران تلك اللحظات التي اقتحمت فيها قوات الحوثي الفندق الذي كان يقيم فيه مع زملاءه "بعد منتصف الليل اقتحموا المكان، وجرى نقلنا بطريقة مذلة ومهينة إلى قسم منطقة الحصبة ثم قسم الأحمر ثم البحث الجنائي، وبعد ذلك سجن احتياطي الثورة، وسجن احتياطي هبرة، وسجن الأمن السياسي، ثم إلى معسكر الأمن المركزي (سجن عبدالقادر المرتضى)، تعرضنا في هذه السجون لصنوف من التعذيب والإذلال والمنع والحرمان".

 

أخطر من الرصاص 

يضيف عبدالخالق عمران "كانوا يسألوننا عن زملاءنا الصحفيين، ويقولون إن القلم أخطر من الرصاصة، كان السبب الرئيسي والدافع هو أننا أصحاب كلمة، ولا توجد دلائل على ارتكابنا جريمة، وحتى مسار المحاكمة كان جزءاً من التعذيب والإذلال، لقد قضينا نصف محكوميتنا ونحن في إخفاء قسري يمنعوننا من الاتصالات، ولا يسمحون لنا بالتواصل أو إجراء مكالمة إلا لأخذ تفاصيل حوالات مالية، وحتى حينما كنا نريد أن نستفيد من تلك الحوالات كان عبدالقادر المرتضى وأخويه مجد الدين وأبو شهاب يسرقوها منا، لقد سرقوا أربعة ملايين ريال".

وحول ظروف السجن يتحدث عمران: "كانوا يضعوننا في ضغاطات، قضينا فيها ثلاث سنوات، وكنا نقضي في تلك الغرف الضيقة جداً من ثلاثة أشهر إلى عام كامل، لقد كانوا يستكثرون علينا الحياة، وحينما يقدمون لنا الطعام يقولون: "نعطيكم هذا حتى تبقوا على قيد الحياة ونستفيد منكم في صفقات التبادل"، لقد كانوا يتعبدون الله بتعذيبنا نحن الصحفيين كما جاء على لسان عبدالقادر المرتضى، لقد حولونا كرهائن وورقة للابتزاز السياسي، وحكم علينا بالإعدام، وحينما أطلق سراحنا تم نفينا من مناطقنا، حينما كانوا يعذبوننا كانوا يفتحون تسجيلاً لزعيم الجماعة عبدالملك الحوثي وهو يحرض على الصحفيين باعتبارهم الخطر الأكبر". 

نداءات ومطالبات 

ودعا عبدالخالق عمران إلى بذل مزيد من الجهود لضمان حماية الصحفيين في مناطق سيطرة الجماعة وسرعة الإفراج عن المعتقليين والمخفيين قسراً لدى الجماعة، كما طالب الجهات والمنظمات الحقوقية المحلية والدولية إلى دعمهم لرفع قضايا ضد جماعة الحوثي أمام المحاكم الدولية. 

وأشار إلى أن أحكام الإعدام الحوثية التي وصفها "بأحكام القتل" لازالت قائمة، مطالباً بضمان الحماية لهم ولأسرهم. 

 

المحرر توفيق المنصوري وصف جماعة الحوثي بأنها "عديمة الأخلاق والعقل"، وبالنسبة للتحقيقات خضعنا للتحقيقات في كافة السجون التي تنقلنا عبرها، بداية من سجن البحث الجنائي وحتى سجن الأمن المركزي (سجن عبدالقادر المرتضي)، كنا نسأل عن زملاءنا الصحفيين وعن مصادر المعلومات، وكنا نتعرض للتعذيب بالضرب بالأيدي والهراوات، تعرضنا للتهديد بالأسلحة وفي جلسات التحقيق كان يغمى علينا مرتين إلى ثلاث خلال الجلسة الواحدة، علقونا بأماكن مرتفعة، حينما كانوا يهددوننا بالأسلحة كنا نتمنى أن يقتلوننا فعلاً لنرتاح من ذلك العذاب، وكانت جلسات التحقيق تستمر حتى 8 ساعات". 

الصحافة عدو

ويتحدث المنصوري عن الهدف من جلسات التحقيق فيقول: "لم يكن الهدف انتزاع معلومات لأنهم يدركون أننا لا نملك أي معلومات أو أمور جديدة، فقط كانوا يقولون إنهم يؤدبوننا على تلك المواد الصحفية التي كنا ننشرها، كانوا يسألوننا عن بعض أسماء الصحفيين وكنا نرد أنهم مجرد صحفيين يعملون في الوسيلة كذا، فنتعرض للضرب مباشرة، يلوموننا لماذا نكتب عن جماعتهم، كان المحققون يقولون إنه لولا الإعلاميين والصحفيين الذي يقفون في وجهنا لحققنا العديد من الأهداف، تعرضنا للتعذيب في سجن الثورة على يد أبو أحمد وأبو خليل ثم في سجن هبرة على يد المدعو أبو علي مسؤول السجن شقيق يحيى صلاح هيبل، وفي سجن الأمن السياسي كان التعذيب أشد قسوة، وتعرضنا للسجن من قبل يحيى سريع مدير سجن الامن السياسي وعلى يد أبو عقيل وعبدالواسع وأبو طالب، وكانت تلك التوجيهات من عبدالقادر الشامي وعبدالحكيم الخيواني، وكان التعذيب بشكل مستمر ودوري، وكانت أحكام الإعدام مجرد رسائل للصحفيين أننا سنتعامل معكم هكذا في حال استمررتم في الحديث حولنا". 

المفاوض السادي

وحول المحاكمات التي وصفها توفيق المنصوري بالهزلية يقول: "في المحاكم لم يوجهوا لنا تهماً سوى أننا صحفيون وأننا أنشأنا مركزاً إعلامياً ونشرنا أخباراً تؤثر على قواتهم، وأشد أنواع التعذيب تعرضنا له في سجون عبدالقادر المرتضى ما يسمى رئيس لجنة شؤون الأسرى لدى مليشيا الحوثي، كان مسؤول السجن وكان يمارس التعذيب بشكل شخصي ويعتدي على السجناء بشكل شخصي، لا أحد يسأل هذا الشخص عن الانتهاكات والجرائم التي يرتكبها، يصفي أشخاصاً بنفسه داخل سجون الأمن المركزي، والضربة الموجودة على رأسي قام بها عبدالقادر المرتضى بشكل شخصي، إنه شخص سادي مدمن تعذيب ويجب أن يوقف عند حده". 

وأضاف المنصوري: "نتمنى أن يتم حشد الجهود ليتم معاقبة عبدالقادر المرتضى، وندعو الجانب الحكومي إلى عدم قبول التفاوض مع هذا الرجل إذ كيف تقبل بالتفاوض مع مجرم، ويجب إدراجه على قوائم الإرهاب".

وحول نوع الخدمات والطعام الذي يتناولونه يتحدث المنصوري: "كنا نعيش الحرمان من أبسط الحقوق، كانوا يحرموننا من الطعام والماء والدواء، كانوا يقدمون طعاماً فاسداً، كان عبدالقادر المرتضى يبيع الأدوية التي تقدمها بعض المنظمات للأشخاص، ويصادر هذا الرجل 90% مما يصل السجناء. يبيع السلعة لنا بأضعاف أضعاف قيمتها". 

واختتم حديثه: "نتمنى ألا يفلت المجرمون من العقاب". 

الحوثي نقيض الصحفي

وفي المحور الذي تحدث فيه الصحفي المحرر الحارث حميد، ركز على دور الصحفي ولماذا يخاف الحوثي ويشعر بالرهبة منه فيقول: "الحوثي ملته قائمة على الكذب والصحفي لا يشبه الحوثي في هذا الأمر، فعندما يرى هذا الأخير الحقيقة ويجد أن الصحفي يكشفها للعامة يستفزه هذا الأمر ولذا يحارب كل من يكشف الوقائع وأكاذيب تلك الجماعة". 

ويضيف حميد: "حينما تحدث هناك حملة أو تضامن معنا في الخارج تكون ردود الجماعة هستيرية ذلك لأنها عصابة لا تعرف كيف تتعامل مع مثل تلك الحملات فيقوم أفرادها بجرنا والتحقيق معنا وتعذيبنا بشكل مباشر، المليشيا لا تعرف الصحفي ولا الصحافة، ونرجو من الجميع أن يضغطوا باتجاه تصنيف الجماعة كجماعة إرهابية". 

محاكمة بلا محامٍ

وحول طبيعة المحاكمات يصور لنا الحارث ما كان يجري داخل أروقتها يقول: "عندما تم نقل ملفاتنا إلى النيابة الجزائية المتخصصة أجابت برفض تلك الملفات وأنها ليست معنية بها، فضغطوا على المحكمة واستبدلوا قضاة بآخرين وجرى محاكمتنا محاكمة هزلية كما أن القاضي يرفض الاستماع لحديثنا أو دخول المحامي معنا، ويقول إنه سيأتي بمحامي من عنده، وبعد تلك المحاكمات الصورية كنا نستبشر بقرب خروجنا لكننا في يوم ما تفاجأنا بحكم الإعدام، اكتشفنا أن الملفات التي يتعامل القاضي معها ملفات مطبوعة وجاهزة وليست أحكام أو شهادات مكتوبة، لقد كان الحوثي يستخدمنا فقط للابتزاز ويبقينا كي يبادل بنا أشخاصاً وأسرى من جانبه". 

ودعا الحارث حميد الحكومة ولجنة التفاوض والمنظمات الحقوقية إلى سرعة تبادل جميع الأسرى وإنقاذهم من الموت في سجون الحوثي. 

 

معاناة أسر الصحفيين

أكرم الوليدي ختم الجلسة بالحديث حول أسر الصحفيين المعتقلين قسرياً يقول الوليدي: "معاناة الأسر معاناة مريرة وطويلة بدءاً من مرحلة الإخفاء القسري حيث عاشوا حياة الخوف على مصيرنا فظلوا يبحثون عنا لفترات طويلة، ولم تركوا قسم شرطة إلا وسألوا عنا، وكانوا يتعرضون للأذى بشكل كبير، وبعد أن سمحوا لنا بالزيارة كان الأهالي يأتون إلينا وهم يحملون الطعام لكنهم كانوا يمنعونهم من لقاءنا، وحينما يسمحون بذلك لا نستطيع سماعهم بسبب الزنازين، وأقسى شيء حينما نتعرض لإهانات أمامهم، لقد كانوا يعانون من السفر والتنقل من محافظات مختلفة للوصول إلينا في صنعاء، البعض باع من مقتنياته الشخصية لتوفير مصاريف السفر ومع ذلك حينما يصلون يتعرضون للتعسف والسخرية ويعاملوننا بإذلال أمامهم". 

وحول أسر الصحفيين المختطفين يستحضر أكرم ما حرم منه زميله عبدالخالق عمران يقول: "دخل عبدالخالق السجن وعمر ولده أحمد عام واحد فحرم من حنان الأبوة، اليوم أصبح عمر أحمد 9 سنوات، وحرمت نوران ابنة توفيق من حنان أبيها، فقد زملائي الثلاثة آبائهم وهم في السجون، وحرموا من الخروج لرؤيتهم أو تشييعهم أو ودعاهم الوداع الأخير".

 

ابتزاز الأهالي

ويضيف الوليدي: "كانت جماعة الحوثي تمارس على أهالينا الترهيب فمرة يتم إخبارهم أن أبناءهم سيتم إعدامهم وأنهم مجرمون وسيئون ولا يستحقون الخروج، وفي أحيان أخرى يتم نشر الشائعات بين أهالينا وأن فلاناً مريض، لقد تلقى أهالينا من المعاناة ما يفوق بعض الأحيان معاناة من في السجون". 

وحول الابتزاز المالي للأهالي يتحدث أكرم الوليدي فيقول: "تعرض أهالينا للابتزاز المالي، لقد كانت جماعة الحوثي ترسل لأهالينا مشرفين يقولون إذا أردتم إخراج أبناءكم فادفعوا المبالغ المخصصة، هذا فضلاً عن توقف وظائفنا ووظائف أهالينا ونهب مقتنياتنا ومصادر رزقنا، وكان لدينا مركز إعلامي نهبت جميع ممتلكاتنا وسرقت جميع ممتلكاتنا". 

 

الجلسة التي اختتمت بمداخلات واستفسارات قدمها الحاضرون والمتابعون عبر تقنية الاتصال المرئي زووم والتي تضمنت العدد من الأسئلة للصحفيين حول ظروف اعتقالهم وكذلك ما يأملونه من مناصرة ودعم المجتمع الحقوقي والأسرة الصحفية المحلية والدولية.